سورة الكهف - تفسير تفسير أبي السعود

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الكهف)


        


{سَيَقُولُونَ} الضميرُ في الأفعال الثلاثة للخائضين في قصتهم في عهد النبيِّ عليه الصلاة والسلام من أهل الكتابِ والمسلمين لكن لا على وجه إسنادِ كلَ منها إلى كلهم بل إلى بعضهم {ثلاثة رَّابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ} أي هم ثلاثةُ أشخاص رابعُهم أي جاعلُهم أربعةً بانضمامه إليهم كلبُهم، قيل: قالته اليهودُ، وقيل: قاله السيد من نصارى نَجرانَ وكان يعقوبياً، وقرئ: {ثلاةٌ} بإدغام الثاء في التاء {وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ} قيل: قالتْه النصارى أو العاقبُ منهم وكان نِسْطورياً {رَجْماً بالغيب} رمياً بالخبر الخفيِّ الذي لا مُطَّلَعَ عليه أو ظنًّا بالغيب من قولهم: رجَمَ بالظن إذا ظن، وانتصابُه على الحالية من الضمير في الفعلين جميعاً أي راجمين أو على المصدرية منهما فإن الرجْمَ والقولَ واحد، أو من محذوف مستأنَفٍ واقعٍ موقعَ الحال من الضمير في الفعلين معاً أي يرجُمون رجماً، وعدم إيرادِ السينِ للاكتفاء بعطفه على ما فيه ذلك.
{وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ} هو ما يقوله المسلمون بطريق التلقي من هذا الوحي وما فيه مما يرشدهم إلى ذلك من عدم نظمِه في سلك الرجْمِ بالغيب، وتغييرُ سبكه بزيادة الواو المفيدةِ لزيادة وكادةِ النسبة فيما بين طرفيها لا بوحي آخرَ كما قيل {قُلْ} تحقيقاً للحق وردًّا على الأولين {رَّبّى أَعْلَمُ} أي أقوى علماً {بِعِدَّتِهِم} بعددهم {مَّا يَعْلَمُهُمْ} أي ما يعلم عِدّتهم أو ما يعلمهم فضلاً عن العلم بعِدتهم {إِلاَّ قَلِيلٌ} من الناس قد وفقهم الله تعالى للاستشهاد بتلك الشواهد. قال ابن عباس رضي الله عنهما: حين وقعت الواوُ انقطعت العِدّةُ وعليه مدارُ قوله رضي الله عنه: أنا من ذلك القليل ولو كان في ذلك وحيٌ آخرُ لما خفيَ عليه ولما احتاج إلى الاستشهاد بالواو ولكان المسلمون أسوةً له في العلم بذلك. وعن علي كرم الله وجهه أنهم سبعةُ نفرٍ أسماؤُهم: يمليخا ومكشليبنا ومشليبنا، هؤلاء أصحابُ يمينِ الملكِ وكان عن يساره مرنوش ودبرنوش وشاذنوش وكان يستشير هؤلاء الستةَ في أمره، والسابعُ الراعي الذي رافقهم حين هربوا من ملكهم دقيانوسَ واسمه كفيشيططيوش {فَلاَ تُمَارِ} الفاءُ لتفريع النهي على ما قبله أي إذ قد عرفتَ جهلَ أصحابِ القولين فلا تجادلهم {فِيهِمْ} في شأن الفتية {إِلاَّ مِرَآء ظاهرا} قدرَ ما تعرّض له الوحيُ من وصفهم بالرجم بالغيب وعدمِ العلم على الوجه الإجمالي وتفويضِ العلم إلى الله سبحانه من غير تصريحٍ بجهلهم وتفضيحٍ لهم فإنه يُخِلُّ بمكارم الأخلاق.
{وَلاَ تَسْتَفْتِ فِيهِمْ} في شأنهم {مِنْهُمْ} من الخائضين {أَحَدًا} فإن فيما قُص عليك لمندوحةً عن ذلك مع أنه لا علمَ لهم بذلك.
وقال عطاء: إلا قليلٌ من أهل الكتابِ فالضمائرُ الثلاثة في الأفعال الثلاثةِ لهم وما ذكر من الشواهد لإرشاد المؤمنين إلى صحة القولِ الثالثِ وفيه محيصٌ عما في الأول من التكلف في جعل أحدِ الأقوالِ المحكية المنظومةِ في سِمْط واحدٍ ناشئاً عن الحكاية مع كون الأخيرين بخلافه ووضوحٌ في سبب حذف المفعولِ في لا تُمار، والمعنى حينئذ: وإذ قد وقفتَ على أن كلَّهم ليسوا على خطأ في ذلك فلا تجادِلْهم إلا جدالاً ظاهراً نطَق به الوحيُ المبين من غير تجهيل لجميعهم فإن فيهم مُصيباً وإن قل، والنهيُ عن الاستفتاء لدفع ما عسى يُتوهم من احتمال جوازِه أو احتمالِ وقوعِه بناءً على إصابة بعضهم، فالمعنى لا ترجِعْ إليهم في شأن الفتيةِ ولا تصدّق القولَ الثالثَ من حيث صدورُه عنهم، بل من حيث التلقّي من الوحي.


{وَلاَ تَقْولَنَّ لِشَىْء} أي لأجل شيءٍ تعزم عليه {إِنّى فَاعِلٌ ذلك} الشيءَ {غَداً} أي فيما يُستقبل من الزمان مطلقاً فيدخُل فيه الغدُ دخولاً أولياً فإنه نزل حين قالت اليهودُ لقريش: سلُوه عن الروح وعن أصحاب الكهفِ وذي القرنين، فسألوه عليه الصلاة والسلام فقال: «ائتوني غداً أُخبرْكم» ولم يستثنِ فأبطأ عليه الوحيُ حتى شق عليه وكذّبته قريشٌ. وما قيل من أن المدلولَ بالعبارة هو الغدُ وما بعد ذلك مفهومٌ بطريق دِلالة النصِّ يرده أن ما بعده ليس بمعناه في مناط النهي، فإن وسعةَ المجالِ دليلُ القدرة فليتأمل.


{إِلاَّ أَن يَشَاء الله} استثناءٌ مفرَّغ من النهي أي لا تقولن ذلك في حال من الأحوال إلا حالَ ملابستِه بمشيئته تعالى على الوجه المعتادِ وهو أن يقال: إن شاء الله أو في وقت من الأوقات إلا وقتَ أن يشاء الله أن تقوله لا مطلقاً بل مشيئةً إذن، فإن النسيانَ أيضاً بمشيئته تعالى، ولا مساغَ لتعليقه بفاعل لعدم سِدادِ استثناءِ اقترانِ المشيئة بالفعل ومنافاةِ استثناءِ اعتراضها النهي، وقيل: الاستثناءُ جارٍ مَجرى التأبيدِ، كأنه قيل: لا تقولنّه أبداً كقوله تعالى: {وَمَا يَكُونُ لَنَا أَن نَّعُودَ فِيهَا إِلا أَن يَشَاء الله} {واذكر رَّبَّكَ} بقولك: إن شاء الله متدارِكاً له {إِذَا نَسِيتَ} إذا فرَطَ منك نسيانٌ ثم ذكرتَه، وعن ابن عباس رضي الله عنهما: ولو بعد سنةٍ ما لم يحنَثْ، ولذلك جوّز تأخيرُ الاستثناءِ، وعامةُ الفقهاء على خلافه إذ لو صح ذلك لما تقرر إقرارٌ ولا طلاقٌ ولا عَتاقٌ ولم يُعلم صِدقٌ ولا كذِبٌ. قال القرطبيُّ: هذا في تدارُك التَّرْك والتخلف عن الإثم، وأما الاستثناءُ مبالغةٌ في الحث عليه، أو اذكر ربَّك وعقابَه إذا تركت بعضَ ما أمرك به ليبعثك ذلك على التدارُك، أو اذكره إذا اعتراك النسيانُ ليذكِّرك المنسيَّ، وقد حُمل على أداء الصلاةِ المنْسية عند ذكرِها {وَقُلْ عسى أَن يَهْدِيَنِى رَبّى} أي يوفقني {لاِقْرَبَ مِنْ هذا} أي لشيء أقربَ وأظهرَ من نبأ أصحابِ الكهفِ من الآيات والدلائل الدالةِ على نبوتي {رَشَدًا} أي إرشاداً للناس ودلالةً على ذلك، وقد فعل عز وجل ذلك حيث آتاه من البينات ما هو أعظمُ من ذلك وأبينُ كقصص الأنبياءِ المتباعدِ أيامُهم والحوادثِ النازلة في الأعصار المستقبلةِ إلى قيام الساعةِ أو لأقربَ رشداً وأدنى خبراً من المنسيّ.
{وَلَبِثُواْ فِى كَهْفِهِمْ} أحياءً مضروباً على آذانهم {ثلاث مِئَةٍ سِنِينَ وازدادوا تِسْعًا} وهي جملةٌ مستأنَفةٌ مبيّنةٌ لما أُجمل فيما سلف وأُشير إلى عزة منالِه، وقيل: إنه حكايةُ كلامِ أهلِ الكتابِ فإنهم اختلفوا في مدة لُبثِهم كما اختلفوا في عِدّتهم فقال بعضهم هكذا وبعضُهم ثلاثمائة.
وروي عن علي رضي الله عنه أنه قال: عند أهلِ الكتابِ أنهم لبِثوا ثلاثَمائةِ سنةٍ شمسيةٍ والله تعالى ذكر السنةَ القمريةَ والتفاوتَ بينهما في كل مائة سنةٍ ثلاث سنين فيكون ثلاثَمائةٍ وتسعَ سنين، وسنينَ عطفُ بيانٍ لثلاثمائة، وقيل: بدلٌ وقرئ على الإضافة وضعاً للجمع موضعَ المفردِ ومما يحسّنه هاهنا أن علامةَ الجمعِ فيه جبرٌ لما حُذف في الواحد وأن الأصلَ في العدد إضافتُه إلى الجمع.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8